جولة سياحية في شنغهاي



شنغهاي مدينة مذهلة للمسافر الجسور الطموح. وتمتاز اليوم بالحيوية ذاتها التي كانت عليها مطلع القرن الـ20 عندما ساعدت تجارة الأفيون في تشييد بعض من أعظم المباني في العالم. والآن كما في السابق، لا يلزم السائح المنفرد سوى بضعة أيام وحذاء مريح كي يجول في أرجائها. ولكن المدينة تخبئ الكثير من المتع التي تسحر العقول.

بعد أن وصل البريطانيون إلى المدينة في أواسط القرن الـ19، وتبعهم الفرنسيون بفترة وجيزة، بدأت شنغهاي ذات السوق الصغيرة آنذاك بالتطور تدريجياً لتغدو حاضرة عصرية. ولحسن الحظ، لم تنس شنغهاي تراثها وهذا جلي للغاية على صعيد الشوارع.

وللعلم فإنني قبل هذه الرحلة لم أسافر مطلقاً إلى الصين، وبالتالي فلا يمكنني عقد مقارنات مع مدنها الأخرى. غير أن بمقدور المرء أن يفترض أن ما تمتاز به شنغهاي من تنوع وتوازن رائع لا يتوافر سوى للقليل من المدن. لقد أدت الامتيازات البريطانية والفرنسية المبكرة إلى تدفق هائل للأجانب ملأ المدينة سريعاً بسكان أثرياء متنوعين. ومنذ ذلك الحين، بحثت شنغهاي عن هويتها ما بين الشرق والغرب، وكانت النتيجة مناظر بالغة الجمال للمقيمين والسواح على حد سواء. وكان في جعبتي يومان لأراها.

بوكسي وبودونغ

إذا كنت من السياح محبي التجوال أمثالي، فستكون قادراً على زيارة العديد من البقاع واستكشاف عدد من الجوانب المختلفة لهوية شنغهاي الذاتية. ولكن هناك على وجه التحديد بقعة لا يفصل فيها بين القديم والجديد سوى الماء. فنهر هوانغبو المعروف أيضاً باسم النهر الأصفر يسير بالتوازي مع الواجهة المائية الشهيرة للمدينة المسماة (ذا بوند- Bund)، وهو أكثر معلم في المدينة وضوحاً حسب الجانب الذي تقف عليه.

يقع بوكسي في أحد الجانبين وهو أقدم جزء في المدينة حيث تقع منطقتها المالية السابقة. والمباني المستلهمة من مشيديها الاستعماريين، كل منها له لوحة ذهبية تكشف إرثه، تقف على الممرات العريضة التي تذكر الناظر بأرقى المدن الأوروبية. كما أن المداخل الرخامية، وبوابات المصاعد الذهبية، والحراس المتأنقين أعطوني انطباعاً بأني عدت إلى الأيام الأولى لوال ستريت في نيويورك. وفي الحقيقة، أخبرني رجل أعمال أن الشارع يسمى "وال ستريت الشرق".



هذا هو الجزء الذي ينبغي لزوار شنغهاي أن يروه حقاً. فالطراز المعماري القوطي والكلاسيكي الذي يظهر في منطقة (بوند) على واجهات المصارف وشركات الامتياز والاستشارات للقاطنين الأجانب، يعد اليوم على نطاق واسع الوجه الأنيق للمدينة. وتقع فوق عدد من هذه الأبنية جواهر خفية. إذ توجد أعلاها مطاعم تقدم أطباقاً عالمية مدهشة بإطلالة تضاهي أجمل الإطلالات في العالم. كما أن الأجواء الاحتفالية بشنغهاي نشطة وراقية وفخمة، والعديد من المطاعم التي زرتها كانت مليئة بالأطعمة الفاخرة ويرتادها الرجال والنساء بملابس أنيقة. أما جار بوكسي على الضفة الأخرى من النهر فهو بودونغ، الجزء الأحدث من المدينة، وهو بيئة مختلفة تماماً. فأفق بودونغ المذهل والمتنامي يبرز على نحو لافت. وعلى شماله برج أورينتال بيرل، المعلم الأبرز، ولكن هناك كذلك مشاريع أضخم قيد الإنشاء. كلا الجانبين يستحق الزيارة، ولحسن الحظ فإن أجواء الجانب الأول تكمل مشهد الجانب الثاني الأكثر حداثة. ورغم أن المنظر جميل في النهار، يستحسن أن تجعل هذه الزيارة محطتك الأخيرة قبل أن تنهي أمسيتك.

وهناك العديد من المتع الأخرى في المدينة، لاسيما الاستيقاظ مبكراً من أجل ممارسة تاي تشي. فالفنون القتالية لاتزال شعبية جداً عند الصينيين، كما أن السكان المحليين يملأون حدائق المدينة عند بزوغ الفجر لممارسة الطقوس. يرتدي المقيمون من كبار السن (ممن يتمتعون بوقت أكثر مرونة وبنية جسمية أقل مرونة) زياً حريرياً بالكامل ويؤدون حركات بطيئة مسالمة في انسجام طبيعي. إنه تقليد عريق يمكن للزوار المشاركة فيه، ورغم أني لم أفعل، أخبرني أحدهم أنيإاذا اردت التعمق أكثر فبمقدوري العثور على حصص تدريب بالسيوف. أظن أن المسألة تتوقف على ما يفضله المرء.


0 تعليقات